غزة المنكوبة.. رحلة الدعم الإنساني الإماراتي في وجه الدمار
غزة المنكوبة.. رحلة الدعم الإنساني الإماراتي في وجه الدمار
تحت ظلام الليل وصوت القصف المدوي، تبددت الأحلام وانهارت الآمال في أرض غزة المنكوبة، فمنذ السابع من أكتوبر الماضي، يعيش القطاع الفلسطيني الصغير على أنين الألم وأصوات الدمار، حيث تتوالى الصواريخ والهجمات الجوية، مخلفة وراءها مشاهد الخراب والمأساة التي يصعب وصفها بالكلمات.
وسط هذا الواقع القاسي، تبرز قصة الأمل والإنسانية التي يرويها تدخل دولة الإمارات العربية المتحدة بدور محوري ومستمر لتقديم كل سبل الدعم، والمساعدة لسكان غزة. حيث أعلنت دولة الإمارات دعمها القوي للحل السلمي في القطاع منذ اندلاع الأزمة، وتبنت دورًا فاعلاً في تحفيز الجهود الدولية والإقليمية، بهدف تحقيق وقف إطلاق النار وتسهيل إدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر، فضلا عن تكثيف الحراك الدبلوماسي وتكوين جبهة دبلوماسية قوية في مجلس الأمن الدولي وفي المحافل الدولية الأخرى لدعم ومساندة الفلسطينيين.
ومع استمرار هذه الجهود، قادت الإمارات العديد من اللقاءات والاتصالات الرفيعة المستوى مع قادة ووزراء ومسؤولين دوليين وأمميين خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، في إطار حملة دبلوماسية نشطة ومستمرة، تعكس التزام الإمارات بدورها الريادي في حل الأزمات الإنسانية والتصدي للتصعيد في غزة.
وفي إطار جهودها الإنسانية القوية والمستمرة، أعلنت الإمارات عن إقامة مستشفى ميداني متكامل في قطاع غزة، هذا المستشفى الذي يعد إنجازًا استثنائيًا، يهدف لتوفير الرعاية الطبية العاجلة والإغاثة الضرورية للمصابين والمحتاجين، الذين يعانون من نقص حاد في الخدمات الصحية والإمكانيات في ظل الدمار الهائل الذي خلفته الحرب.
ودشنت الإمارات حملة إغاثة مستمرة تحمل اسم "تراحم من أجل غزة"، بهدف تخفيف معاناة السكان الفلسطينيين الذين فقدوا كل شيء بفعل الحرب، ومن خلال توفير المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية، تسعى الإمارات لإعادة بناء الأمل المتلاشي وتقديم العون الملموس للمتضررين.
واستضافت الإمارات ألف طفل فلسطيني من قطاع غزة، لتلقي الرعاية الطبية والعلاج اللازم، في خطوة إنسانية نبيلة تعكس التزام دولة الإمارات بإعادة الضحايا إلى الحياة وتخفيف معاناتهم، وذلك قبل عودتهم إلى واقع الدمار واليأس.
وقدمت دعمًا ماليًا كبيرًا لإعادة إعمار غزة بعد الهجمات الأخيرة، في جهود تعكس التزام الإمارات القوي بدعم الشعب الفلسطيني وتحقيق السلام في المنطقة.
في زمن الأزمات والمحن، يظهر الإنسان الحقيقي بكل قوته وعطائه، وهذا ما تجسده دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم غزة المنكوبة، فقد أسست نموذجًا يحتذى في تقديم المساعدة والرحمة للمنكوبين، وأثبتت أن القلوب الكبيرة لا تعرف الحدود.
ومع ذلك، فإن الألم الحقيقي لا يمكن أن يمحى بسهولة، فالدمار الهائل الذي يحاصر غزة يعكس مأساة إنسانية تستدعي استجابة عاجلة وهمما متحدة.
دعم إنساني
منذ اليوم الأول للأزمة بذلت الإمارات جهودا قصوى لتقديم كل أشكال الدعم الإنساني لقطاع غزة، وفي أسبوعها الثالث شهدت الحملة الإماراتية "تراحم من أجل غزة" مشاركة (5000) متطوع في فعاليات نظمت في "الاتحاد أرينا" في أبوظبي بالتعاون مع هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وفي "فستيفال أرينا" في دبي بالتعاون مع دبي العطاء، وفي مركز "البيت متوحد" في الشارقة بالتعاون مع جمعية الشارقة الخيرية ومؤسسة القلب الكبير.
ووفقًا للمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، قام المتطوعون بتجهيز 20000 حزمة إغاثية تزن (450) طناً من المواد والمستلزمات الإغاثية.
وتشرف على الحملة وزارة الخارجية بالتعاون مع هيئة الهلال الأحمر الإماراتي وبرنامج الغذاء العالمي وبالتنسيق مع وزارة تنمية المجتمع، وبمشاركة 20 مؤسسة خيرية وإنسانية، بالإضافة إلى منصات التطوع الوطنية، وعملت الحملة منذ انطلاقها على جمع 1250 طناً من مواد الإغاثة الغذائية والصحية والطبية وتجهيز 58 ألف حزمة إغاثية تنوعت بين حزم الأطفال والأمهات والحزم الغذائية، وتستمر المؤسسات الخيرية والإنسانية المعتمدة في الإمارات في استقبال التبرعات العينية والمالية ضمن الحملة، كما يمكن للراغبين في التطوع التسجيل للمشاركة فيها عبر المنصات التطوعية الرسمية.
وأكد رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في "قمة القاهرة للسلام" أن الأولوية القصوى والعاجلة خلال المرحلة الحالية هي لتقديم الدعم الإنساني للمدنيين في قطاع غزة وضمان ممرات إنسانية آمنة ومستقرة لمواصلة تقديم المساعدات الإغاثية والطبية، في ظل الوضع الإنساني الخطير في القطاع.
جهود إماراتية مستمرة
وتؤكد الأرقام الجهود القوية لدولة الإمارات في دعم القضية الفلسطينية، والتي تعد إحدى الأولويات الثابتة في سياستها الخارجية منذ تأسيسها.
ووفقًا لوسائل إعلامية دولية، قامت الإمارات بـ65 اتصالًا ولقاءً، و22 اجتماعًا وقمة، لبحث سبل وقف التصعيد في غزة وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية.
وتسعى دولة الإمارات إلى تحقيق حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال الدبلوماسية والعمل الإنساني.
وتهدف الجهود الإماراتية إلى تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة وتعزيز العيش المشترك والتفاهم بين جميع الأطراف المعنية.
وعقدت من أجل ذلك قمة تاريخية جمعت بين رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في أبوظبي.
وخلال هذا اللقاء تم تبادل وجهات النظر حول التطورات في الشرق الأوسط وجهود التهدئة، مع التأكيد على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية العاجلة من خلال وضع آليات آمنة ومستدامة، ومن أهم الأولويات في ذلك حماية حياة المدنيين والامتثال للقوانين الإنسانية الدولية لضمان سلامتهم.
وشدد الزعيمان على أهمية تجنب تصعيد العنف وتفادي المزيد من الأزمات الإنسانية في المنطقة، وتحقيق سلام دائم وعادل وشامل.
ولتحقيق هذا الهدف، تستمر الإمارات في جهودها الدؤوبة لدعم غزة، فقد شاركت في 10 قمم واجتماعات خليجية وإسلامية وعربية ودولية تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين.
وفي أحدث هذه الجهود، ترأس وزير الدولة الإماراتي، خليفة شاهين، وفد بلاده في الاجتماع التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية، الذي عقد في الرياض في دورته غير العادية، لبحث التصعيد في غزة والأراضي الفلسطينية وموقف الدول العربية منه.
وفي إطار التزامها القوي، شاركت الإمارات في 7 اجتماعات لمجلس الأمن الدولي و5 اجتماعات في الأمم المتحدة.
وفي أحدث اجتماع لمجلس الأمن، أكدت السفيرة لانا نسيبة، المندوبة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة، الحاجة الماسة لزيادة المساعدات الإنسانية في ظل الظروف الصعبة في غزة واستمرار الهجمات على المستشفيات.
ودعت الإمارات إلى عقد جلسة مفتوحة لمجلس الأمن لمناقشة التطورات في غزة، وتطلق الإمارات مبادرات إنسانية في إطار جهودها المستمرة لدعم غزة، تشمل هذه المبادرات مشروع "الفارس الشهم 3" وحملة "إليك مجددًا".
مستشفى ميداني وحملة إغاثة
في مبادرة إنسانية، تتواصل الجهود الإماراتية لإقامة مستشفى ميداني متكامل في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن، بهدف تقديم الدعم الطبي اللازم للفلسطينيين المحتاجين في المنطقة.
ويعتبر هذا المستشفى إنجازًا فريدًا يندرج ضمن عملية "الفارس الشهم 3"، التي أمر بها رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الأحد الماضي، لدعم الفلسطينيين في قطاع غزة من خلال تعزيز العمليات المشتركة في وزارة الدفاع.
تأتي هذه الخطوة كجزء من مبادرة إنسانية مستمرة تحمل اسم "تراحم من أجل غزة" التي أطلقتها الإمارات، بهدف تخفيف معاناة وإغاثة الفلسطينيين المتضررين من الحرب في قطاع غزة، والتعبير الصادق عن التضامن الإنساني والتعاون الدولي الذي تتبناه الإمارات.
وفي سياق ذلك، أرسلت الإمارات طائرة، تحمل على متنها 25 طنًا من المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية المتنوعة إلى مدينة العريش بمصر، تمهيدًا لدخولها إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، بالتنسيق مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
تعد هذه الخطوة جزءًا من الجهود الإماراتية المتواصلة لدعم قطاع غزة، حيث سبق أن تم إرسال 8 طائرات تحمل أكثر من 200 طن من المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية، وقد تم جمعها ضمن حملة "تراحم من أجل غزة".
وفي إطار هذه الجهود، تستضيف دولة الإمارات ألف طفل فلسطيني برفقة عائلاتهم من قطاع غزة، بهدف توفير رعاية طبية وصحية شاملة في مستشفيات البلاد، وذلك تنفيذًا لتوجيهات القيادة الإماراتية.
وأمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بذلك في بداية نوفمبر الجاري، بهدف تأمين الرعاية اللازمة والشفاء التام للأطفال الفلسطينيين قبل عودتهم إلى قطاع غزة، وهو ما يعكس الموقف الأصيل والنهج الثابت لدولة الإمارات في دعم الأشقاء وتقديم المساعدة لهم في جميع الظروف.
جسر جوي
وواصلت الإمارات دعمها عن طريق جسرها الجوي لنقل تجهيزات المستشفى الميداني الإماراتي إلى مدينة العريش في مصر، عبر طائرات إماراتية تحمل مستلزمات ضرورية للمستشفى الميداني المخطط إقامته في قطاع غزة.
وتواصل الإمارات جهودها الإنسانية لدعم الأشقاء الفلسطينيين في إطار عملية (الفارس الشهم 3) وذلك من خلال تسيير جسر جوي وصل عدده 49 طائرة حتى الآن من أجل تخفيف معاناة المدنيين في قطاع غزة والتي تواجه ظروفاً استثنائية حرجة.
رؤية شاملة
وعلق الخبير السياسي الجزائري توفيق قويدر بقوله: إن الإمارات العربية المتحدة ظهرت بشكل واضح كقوة داعمة للقضية الفلسطينية، وبشكل خاص في قطاع غزة، من خلال الجهود الحقوقية والسياسية التي قامت بها لتقديم الدعم للشعب الفلسطيني في ظل التحديات الراهنة، وتقديمها مساعدات إنسانية كبيرة إلى قطاع غزة، حيث تشمل الجهود الطبية والدبلوماسية وتوفير المساعدات الطبية والإغاثية، مسهمةً بشكل فاعل في تحسين ظروف البعض أثناء العدوان الغاشم ودورها الفعّال على المستويين الإقليمي والدولي، حيث تسعى إلى تحقيق التوازن والعدالة من خلال جهود دبلوماسية مكثفة، كما أنها تشكل تحالفات دولية تهدف إلى دعم حقوق الإنسان في غزة.
وأكد قويدر في تصريحات لـ"جسور بوست"، تشديد الإمارات على أهمية الحوار وحل النزاعات بشكل سلمي، حيث دعت إلى مؤتمرات عربية وشاركت في قمم عقدت من أجل وقف العدوان على غزة، وفي كل رسائلها تشجع على التفاهم والحوار كوسيلة أساسية لتحقيق السلام في المنطقة، وتشارك الإمارات بفاعلية في هيئات دولية حيث تؤكد على حقوق الإنسان في غزة وتدعو إلى حل دائم للصراع الفلسطيني.
وأتم: جهود الإمارات تتسم بتناغم الدعم الإنساني والتدخل السياسي والحقوقي، ما يفتح آفاقًا لتحقيق حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية، وتعزز الأمل في تحقيق ذلك.
توفيق قويدر
ترابط مجتمعي
بدوره، علق أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، طه أبوحسين بقوله: إن العرب واحد وإن بدت فرقتهم، وفي ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غزة، تعتبر المساعدات الإماراتية حبل أمل يمد السكان بالغذاء والدواء والمساعدة المالية، ونحن جميعا ممتنون للمساعدات الطبية والغذائية التي أنعشت القلوب المتعبة وأعادت البسمة إلى وجوه الأطفال المحرومين، ولكن، رغم ذلك، لا يزال هناك الكثير من التحديات التي تواجه الإمارات والمجتمع الدولي في تحقيق تحسين شامل في الوضع الإنساني في غزة، ولا بد من السعي من أجل وقف إطلاق النار والمهازل الإنسانية التي ستترك أثرًا داميًا في روح المجتمع الفلسطيني، أطفاله وشبابه ونسائه.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": تأتي هذه الجهود الإماراتية الإنسانية في إطار التزام الدولة بالمسؤولية الاجتماعية والإنسانية، وهي تسعى جاهدة للتخفيف من معاناة الشعوب المحتاجة في جميع أنحاء العالم، ومن المؤكد أن هذه الدعم المتواصل سيسهم في استعادة الأمل والكرامة لأهل غزة، وتعزيز الفرص الإنسانية للمستضعفين.
واستطرد: دور الإمارات العربية المتحدة في دعم غزة وأهلها مثال رائع للتضامن الإنساني والرحمة العالمية، وعلى الرغم من الحاجة الملحة لمزيد من الدعم والتدخل العاجل، فإن هذه الجهود تعكس الرغبة الصادقة للإمارات في مساعدة الآخرين وتقديم الأمل في الظروف الأكثر صعوبة، إنها رسالة تبعث على الأمل بأن الخير لا يزال موجودًا في عالم مليء بالألم والتحديات.
طه أبوحسين
وأتم: نحن بحاجة إلى المزيد من الدول والأفراد الذين يتبنون رؤية الإمارات الإنسانية ويسعون للتعاون من أجل إحداث تغيير إيجابي حقيقي في العالم… فقط من خلال العمل المشترك والتضامن يمكننا أن نصنع فرقًا ملموسًا في حياة أولئك الذين يعانون ويحتاجون إلى مساعدتنا.